قيد سماع لكتاب "منهاج الطالبين" كتبه الإمام النووي لتلميذه الجياني سنة 672 هـ (نص محقق)

[1] قال الإمام النَّووي في مقدِّمته (ص 63-64): (فإنَّ الاشتغال بالعلم من أفضل الطَّاعات، وأَولى ما أُنفِقت فيه نفائس الأوقات، وقد أكثَرَ أصحابنا -رحمهم الله- من التَّصنيف من المبسوطات والمختصرات، وأتقَنُ مختصرٍ: (المحرَّر) للإمام أبي القاسم الرَّافعي -رحمه الله- ذي التَّحقيقات، وهو كثيرُ الفوائد، عُمدةٌ في تحقيق المذهب، مُعتمَدٌ للمُفتي وغيره من أُولي الرَّغبات، وقد التزَمَ مصنِّفُهُ -رحمه الله- أن ينصَّ على ما صحَّحه معظم الأصحاب، ووفَّى بما التزمَهُ وهو مِن أهمِّ أو أهمُّ المطلوبات، لكن في حجمه كِبَرٌ عن حفظ أكثر أهل العصر إلَّا بعض أهل العنايات، فرأيتُ اختصاره في نحو نصف حجمه؛ ليسهُلَ حفظُهُ مع ما أضمُّهُ إليه إن شاء الله تعالى من النَّفائس المستجادات) ا.هـ، وفرغ من تصنيفه يوم الخميس 19 من شهر رمضان سنة 669 هـ، قال تلميذه ابن العطَّار في «تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين« (ص 94-95): «لما اختصَرَ (المحرَّر) للرَّافعي -رحمه الله- المسمَّى بـ (المنهاج)؛ حَفِظَهُ بعد موته خلقٌ كثيرٌ، ووقَفَ عليه في حياته شيخُنا الأديب الفاضل رشيد الدِّين أبو حفص عُمر بن إسماعيل بن مسعود الفَارِقِي -شيخ الأدب في وقته-، فامتدحَهُ بأبياتٍ حسنةٍ، وَوَقَفَ عليها الشَّيخ بخطِّه [الرَّمل]:

اعْتَنَى بالفَضْلِ يَحيَى فاغتَنَى عَن بَسيطٍ بوَجِيزٍ نافِعِ وتَحَلَّى بِتُقاهُ فَضْلُهُ فتَجلَّى بلَطيفٍ جَامِعِ ناصِبًا أَعْلامَ عِلْمٍ جازِمًا بمقالٍ رافِعًا للرَّافِعِي فكَأنَّ ابنَ صلاحٍ حَاضِرٌ وكأنَّ ما غَابَ عَنَّا الشَّافِعِي

وقال لي شيخُنا، العلَّامة، حجَّة العرب، شيخ النُّحاة، أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن مالك الجَيَّاني -رحمه الله- وذَكَرَ (المنهاج) لي بعد أن كان وَقَفَ عليه: والله لو استقبلتُ من عُمري ما استدبرتُ لحفظتُهُ، وأثنى على حُسن اختصارِهِ، وعُذوبة ألفاظِهِ« ا.هـ، وقال التَّقي السُّبكي: «هذا الكتاب في هذا الوقت هو عُمدةُ الطَّلبة وكثير من الفقهاء في معرفة المذهب« ا.هـ، وقال ابن الملقِّن في «عمدة المحتاج إلى كتاب المنهاج« (1/229): «صنَّف –رحمه الله- كتبًا أضحت للدِّين والإسلام أنجمًا، وشهبًا، منها: هذا الكتاب مختصر (المحرَّر)« ا.هـ، وقال السُّيوطي في «المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي« (ص 57): «هو الآن عُمدة الطَّالبين، والمدرِّسين، والمُفتين« ا.هـ، وقال السَّخاوي في «المنهل العذب الرَّوي« (ص 76، 96): «وهو عظيم النَّفع -كما صرَّح به قاضي صفد-، وله فيه أيضًا تصحيحاتٌ واختياراتٌ .. ومن وُفور جلالَتِهِ وجلالةِ مؤلِّفهِ انتسابُ جماعةٍ ممَّن حَفِظَهُ إليه، فيُقالُ لهم: (المنهاجيّ)، وهذه خصوصيَّةٌ لا أعلمُها الآن لغيره من الكتب« ا.هـ، وقد اعتنى به العلماء: شرحًا، ونظمًا، واختصارًا، وتحشيةً، وتنكيتًا، وتعليقًا، وتخريجًا لأدلَّته بما يفوق الحصر، حتَّى لا يكاد يُعرف كتابٌ فقهيٌّ مذهبيُّ حَظِيَ بعنايةٍ فائقةٍ متوارثةٍ جيلًا بعد جيل كما حَظِيَ به هذا الكتاب، وله عدَّة طبعات، منها: طبعة دار البشائر الإسلامية، ببيروت، سنة 1421 هـ، بتحقيق وتعليق: الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحدَّاد، وطبعة دار المنهاج، بجدَّة، بعناية: محمَّد محمَّد طاهر شعبان، سنة 1426 هـ.

[2] لم أقف على ترجمة النَّاسخ، والظَّاهر من عنايته بتجويد الخطِّ والضَّبط والإلحاق والتَّصحيح وإثباته لبلاغات القراءة والمقابلة أنَّه من أهل هذا الفنِّ، والله أعلم.

[3] أفرده جماعة من المتقدِّمين والمتأخِّرين بالتَّرجمة في تصنيفٍ مستقلٍّ، كـ: «تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين« لتلميذه الخاص ابن العطَّار، وهو عُمدة كل من أتى بعده، و«ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي« لتقي الدِّين اللَّخْمي، و«بغية الرَّاوي في ترجمة الإمام النَّواوي« لابن إمام الكامليَّة، و«المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي« للسُّيوطي، و«المنهل العذب الرَّوي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي« للسَّخاوي، و«الإمام النَّووي« لعلي الطَّنطاوي، و«الإمام النَّووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدِّثين وصفوة الأولياء والصَّالحين« لعبد الغني الدقر، و«الإمام النَّووي وأثره في الحديث وعلومه« لأحمد الحداد، و«الإمام النَّووي شيخ المحدِّثين والفقهاء« لكامل عويضة، أما من ترجم له ضمن كتاب من غير إفراد، فـ (استيفاء الكلام في هذا المعنى يَعسُر) ا.هـ كما نصَّ السَّخاوي في «المنهل العذب الروي« (ص 198).

[4] هو الشَّيخ، الإمام، الصَّالح، الزَّاهد، المحدِّث، ارتحل في طلب العلم، وسمع من: الرَّضي ابن البرهان، وابن عبد الدَّائم، وأحمد بن أبي الخير الحدَّاد، وابن أبي اليُسر، وطبقتهم، وأخذ النَّحو عن ابن مالك، وتفقَّه على النَّووي، وسمع عليه: «منهاج الطَّالبين«، و«الأربعين حديثًا«، و«الأوهام على المهذَّب والوسيط«، ثمَّ جاور بمكَّة المكرمة حتَّى أتاه اليقين، وحدَّث بمشيخة ابن عبد الدَّائم تخريج ابن الظَّاهري، وبـ: «الأربعين« وغيرها للنَّووي عنه، وكان ديِّنًا، ثقةً، ورعًا، كبير الشَّان، منوّر الشَّيبة، توفِّي في أوَّل شهر الله المحرَّم سنة 702 هـ بمكَّة المكرمة، انظر: «برنامج التجيبي« (ص 88، 89، 96، 170-171، 238-239، 258)، و«المعجم المختص بالمحدِّثين« (ص 253)، و«برنامج الوادي آشي« (ص 137)، و«أعيان العصر« (5 /51)، و«الوافي بالوفيات« (4 /220)، و«العقد الثمين« (2 /333-334)، و«المقفى الكبير« (6 /253)، و«الدرر الكامنة« (5 /392-393)، و«المنهل العذب الرَّوي« (ص 82، 129)، و«درة الحجال« (2 /300).